واشنطن والحمض النووي 18

واشنطن والحمض النووي

كتب خبراء الحدّ من التسلّح الأمريكيون، بمن فيهم وزير الدفاع السابق ويليام بيري، مؤخراً إلى رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا يطلبون منه دعم سياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية والتي من المرجح أن تقترحها إدارة جو بايدن، ولكن على الرغم من النوايا الحسنة لأشخاص مثل بيري من الصعب تغيير التفكير المحافظ العنيد والإستراتيجية النووية الهجومية لمعظم السياسيين الأمريكيين.

لقد شهدت سياسة الحدّ من الأسلحة النووية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة تقلبات دورية، ولكن بشكل عام لا تزال تسيطر عليها قوى محافظة لا تنفر من خوض حرب نووية. ففي التسعينيات ومع انهيار النظام العالمي ثنائي القطب حاولت إدارة بيل كلينتون تعزيز الحدّ من التسلح، لكن القوى المحافظة استمرت في نهج حيازة أسلحة الدمار الشامل، وهو ما ساعد في تكوين رأي عام ساحق ضدها.

كما أن الولايات المتحدة، بعد تولي إدارة جورج دبليو بوش، لم تنسحب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية فحسب، بل طرحت أيضاً إستراتيجية نووية شديدة الهجوم تسعى إلى تطوير أسلحة نووية جديدة، واستخدام الضربات النووية الوقائية ضد الدول الأخرى، الأمر الذي أحبط حركة نزع السلاح العالمية.

صحيح أن باراك أوباما بعد توليه منصبه كرئيس اقترح مبادرة الصفر النووي، لكن نفاق المبادرة انكشف عندما رفضت الولايات المتحدة التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب التي تحظر أي تفجير تجريبي للأسلحة النووية أو أي تفجير نووي آخر في أي مكان في العالم، وتمسّكت بسياسات استخدام للأسلحة النووية. وقبل ترك منصبه وافق أوباما على خطة تحديث ترسانة نووية بقيمة 348 مليار دولار.

وبعد أن أدى دونالد ترامب اليمين كرئيس للولايات المتحدة بدأ إصلاحاً نووياً، ولم تطالب الولايات المتحدة في تقرير مراجعة الوضع النووي الأخير بتحديث شامل للترسانة النووية فحسب، بل قالت أيضاً إنه في حالة مواجهة هجوم استراتيجي كبير غير نووي فإنها ستردّ بنشاط بالأسلحة النووية.

إن الحزب الديمقراطي على الرغم من دعمه دائماً الحدّ من التسلح، لكن الاستخدام الأول للأسلحة النووية أصبح الموقف الاستراتيجي سياسياً لإدارة بايدن لثلاثة أسباب رئيسية وهي:

أولاً: أصبحت سياسة الاستخدام الأول للأسلحة النووية جزءاً من الثقافة الإستراتيجية للولايات المتحدة، فخلال الحرب الباردة استعدت لحرب نووية محتملة مع الاتحاد السوفييتي السابق، وبالتالي شاركت في بناء القدرات ولكن حتى بعد مرور ثلاثة عقود على نهاية الحرب الباردة لا تزال الولايات المتحدة تستعد للقتال والفوز في حرب نووية، وعلى هذا النحو لا يمكنها التخلي عن سياسة الاستخدام الأول.

ثانياً: تعتبر تلك السياسة حجر الزاوية في إستراتيجية الردع الأمريكية وأساس نظام التحالف العالمي، فمنذ بداية الحرب الباردة زوّدت الولايات المتحدة حلفاءها العالميين بمظلة نووية، وإذا تخلّت عن سياسة الاستخدام الأول فلن تتمكن من توفير المظلة النووية لحلفائها، الأمر الذي سيزيد من إمكانية الانتشار النووي بين حلفائها مثل اليابان، ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى انهيار نظام التحالف الأمريكي.

ثالثاً: سياسة أول استخدام للأسلحة النووية هي التي تمنح الولايات المتحدة مزايا غير متكافئة في أي منافسة إستراتيجية أو صراع مع دولة أخرى، كما أن الولايات المتحدة قلقة من أن الدول المتنافسة قد تحصل على وسائل غير متكافئة بفضل التطور السريع للتكنولوجيا العسكرية الجديدة لشنّ هجمات مفاجئة ضدها.

ولهذا السبب تحرص الولايات المتحدة ليس فقط على الحفاظ على مكانة رائدة مطلقة في مجال التقنيات الناشئة والمتقدمة، ولكن أيضاً على الاستفادة الكاملة من قوتها العسكرية الحالية، بما في ذلك الاستخدام الأول للأسلحة النووية لمواجهة التهديدات الجديدة.

لقد أصبحت سياسة أول استخدام للأسلحة النووية جزءاً من الحمض النووي لواشنطن وتستخدمها للحفاظ على هيمنتها النووية، وقد تفكر إدارة بايدن في شنّ هجوم سلمي، لكن الولايات المتحدة لن تتوقف أبداً عن الاستعداد للقتال والفوز بحرب نووية.

 المصدر: البعث

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال