وزارة الثغرات الأمنية! 510

وزارة الثغرات الأمنية!

في عصرنا الحالي لم يعد الأمن يقتصر على الجوانب المادية والحسية، وبات العالم يتجه بسرعة كبيرة نحو تطور فائق للتكنولوجية، لذا أصبح تعريف الأمن أوسع وأكثر تعقيدًا، وإذا لم تتمكن المؤسسات الأمنية من التكيف مع هذه التغييرات فستلحق أضرار جسيمة بالبلاد بلا شك. ومن أهم ملفات الأمن الإلكتروني توفير وحماية مختلف المعلومات والبيانات المسجلة في العالم الافتراضي، والصيانة السليمة للأدوات التي تُنشئها مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة وغيرها من الأدوات المتاحة. في غضون ذلك يبدو أن وزارة الدفاع البريطانية قد أهملت أحد أهم مؤشراتها كرمز مهم لأمن المعلومات، حيث نُفذت هجمات إلكترونية ضخمة على الشركات وفروعها بنجاح بل وسُرقت منها الكثير من الأجهزة الهامة، ولم تتخذ المؤسسات المعنية في هذا البلد إجراءات حاسمة لمواجهتها أو القضاء عليها. هناك العديد من الثغرات الأمنية في هيكل وزارة الدفاع البريطانية. وإذا لم تُفكّر حكومة هذا البلد جدياً في حلّها فمن المُرجّح أن تُواجه عواقب وخيمة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.


من بين هذه الفضائح نشر معلومات عن أفراد أفغان تعاونوا مع حكومة المملكة المتحدة في السنوات التي سبقت نظام طالبان. ورغم أن الكشف عن هذه المعلومات كان مصحوباً بتحذيرات لوزارة الدفاع عام ٢٠٢٣، إلا أن الوزارة، بدلاً من قبول ودعم هؤلاء الأفراد حظرت أي نقاش أو نشر عنهم لمدة عامين باستخدام وسائل قانونية. وكانت نتيجة ذلك وفاة ما لا يقل عن ٤٩ شخصاً من القائمة المُسرّبة. ورغم أن الحكومة البريطانية لا تُؤكّد وجود صلة مباشرة بين الوفيات وتسريب القائمة إلا أن تحقيقات أجرتها جهات مستقلة تُظهر صلةً مهمةً وموثوقةً.[1]


في الواقع يُمكن القول إن حماية أرواح من عملوا لديها ولم يعودوا فاعلين لم يكن ذا قيمة بالنسبة للحكومة البريطانية، وقد أدّت إجراءات الحكومة إلى تعريض حياتهم للخطر دون إبلاغهم بذلك للاستعداد لظروف مُحدّدة. سيؤثر هذا النهج البريطاني سلبًا على نوع التعاون المستقبلي معها وإذا لم تُصحّح وزارة الدفاع مسارها فقد تُستهدف هذه القضايا الأمن القومي البريطاني بشكل مباشر إذ لا أحد يرغب في التعاون مع مؤسسة لا ترى إلا مصالحها الخاصة.


إضافةً إلى هذا الاختراق شكّلت الهجمات الإلكترونية الواسعة على البنية التحتية لوزارة الدفاع ومتعاقديها، والتي أدّت إلى تسريب معلومات حيوية بل وسرية جداً ضربةً أخرى للهيكل الأمني ​​لوزارة الدفاع البريطانية. وقد ظهرت هذه الهجمات الكبيرة وشُوهدت في المركبات العسكرية خلال قيامها بمهام، وفي سرقة بيانات من مشاريع استراتيجية كبيرة، أن الهيكل الأمني ​​لأهم مؤسسة دفاعية بريطانية لا يزال يواجه تحدياتٍ جسيمة. حتى مكتب مفوض المعلومات البريطاني (ICO) لم يُقدّم الكثير من الدعم في تحقيقاته وإشرافه على معلومات وزارة الدفاع. ورغم التحقيقات والتحذيرات وتغريم وزارة الدفاع فقد حاول المكتب محاسبتها على أفعالها لكن هذه الإجراءات لم تكن فعّالة. ويبدو أن نقاط الضعف الهيكلية الواسعة ونقص تدريب الموظفين وضعف العقوبات الفعالة والرادعة، هي العوامل الرئيسية وراء إخفاقات المملكة المتحدة الأمنية في مجالات الأمن السيبراني وحماية المعلومات.[2] لنقاط الضعف تلك عواقب وخيمة على حكومة المملكة المتحدة على المدى الطويل.


إن خوف شركات التكنولوجيا والأمن الكبيرة والمهمة التي تعمل معها، بسبب مخاوف من تعرضها لهجمات واسعة ليس هجمات خارجية فحسب بل من نقاط ضعف داخلية سيؤدي إلى تكلفة باهظة للتعاون مع المملكة المتحدة، مما قد يؤدي إلى تحديات أمنية وتكنولوجية مستقبلية لها. إضافةً إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أن التعاون الاستخباراتي بين الشركاء ووزارة الدفاع سيتراجع أيضًا مما سيؤثر بشكل مباشر على الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.


ونتيجةً لذلك يشير استعراض هذه الأحداث والثغرات الأمنية إلى أن حكومة المملكة المتحدة تواجه نقصًا في الرؤية الاستراتيجية وبطءًا في الاستجابة واعتمادًا مفرطًا على التقنيات التجارية الأجنبية في إدارة التهديدات المشتركة التي تحدث في وقت واحد من خلال الأجهزة والإنترنت والمعلومات وسلسلة التوريد. قد تؤثر نقاط الضعف هذه ليس فقط على فعالية هيكل الدفاع بل أيضًا على مصداقية المملكة المتحدة في التحالفات الأمنية مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتعاون مع الشركات الاقتصادية الكبرى.


إن ما تحتاجه الآن وبصورة ملحة ليس سلسلة من التحذيرات والحلول قصيرة المدى بل إصلاح شامل لاستراتيجية الدفاع. من مراجعة سلسلة التوريد وتقييد المعدات الحساسة المستوردة إلى وضع إطار واضح للأمن السيبراني للمقاولين وتطوير القدرات المحلية في تقنيات الدفاع وشمل هذه التحديات. في عصر التنافس الجيوسياسي والحرب غير المتكافئة فإن استمرار الوضع الراهن ليس غير كافٍ فحسب بل خطير أيضًا. إذا لم تأخذ وزارة الدفاع البريطانية هذه الخروقات على محمل الجد فقد يطغى هجوم آخر على أي مؤسسة عسكرية أو استخباراتية مهمة في البلاد ولن يكون لها أي مصداقية بعد ذلك.



أمين مهدوي



[1] At least 49 relatives and colleagues of Afghans in data leak have been killed, study suggests | Ministry of Defence | The Guardian

[2] Explaining our approach to the MoD data breach | ICO



لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال