إن الصورة الكاريكاتورية المهينة للمجلة الفرنسية شارلي إبدو حول المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست غريبة على الإطلاق في الوضع الحالي حيث تتزامن مع إجراءات أخرى للحكومة الفرنسية.
بعد أن جاء إيمانويل ماكرون رئيس دولة عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تعتبر الاقتصاد الثالث لأوروبا و مهد الديمقراطية والتي أنجبت مفكرين مثل جان جاك روسو ومونتسكيو، انحطّ لدرجة أنه يلتقي ويجلس مع شخصية بمستوى “مسيح علي نجاد” ماذا نتوقع بعد ذلك من مجلة ساخرة في باريس!؟
بالطبع من حق فرنسا أن تغضب لأنها كانت في يوم من الأيام مع بريطانيا تتمتعان بالقوة والنفوذ لدرجة أنهما قسمتا الممتلكات العثمانية في غرب آسيا، حيث ذهب لبنان وسورية إلى فرنسا. كانت أهمية سورية بالنسبة لباريس كبيرة لدرجة أنه عندما توج في دمشق ملكٌ مقرب من إنجلترا يدعى فيصل (ابن الشريف حسين) لم تتسامح فرنسا مع ذلك وردوا بحملة عسكرية.
وحتى لبنان الذي كان أرضًا لفرنسا ولها الكلمة الأولى فيها وجميع رؤساء لبنان بعد استقلاله الشكلي عام 1943 حتى الآن ينتخبوا بالتنسيق مع فرنسا، وبالمناسبة بعد انفجار مرفأ بيروت ظن ماكرون أنه لا يزال يؤثر في لبنان لذا ذهب إلى هناك مثل العرابين وحدد موعدًا نهائيًا لكن بالطبع لم يأخذه أحد على محمل الجد وتم تجاهله.
من الطبيعي أن تكون فرنسا التي لم يعد لها أي تأثير على سورية ولبنان بسبب السياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية غاضبة من آية الله خامنئي باعتباره قائد ومخطط استراتيجيات إيران الإقليمية.
من ناحية أخرى اعتاد العراق أن يكون أحد صرافي البنوك في فرنسا لدرجة أنه خُطط خلال رئاسة جيسكارستن لأنشاء منشآت نووية للحكومة البعثية ذات الاستخدام العسكري مقابل تكلفة باهظة.
في السنوات الأخيرة حاول ماكرون مرارًا وتكرارًا تنفيذ خطة الجنرال ديغول المعروفة باسم الغولية في العراق وعرض البضائع والأسلحة الفرنسية في بلاد الرافدين لكن مع وجود حكومة قريبة من محور المقاومة في بغداد فشل الفرنسيون هناك أيضا.
كما أن استراتيجية إيران النووية تبشر بظهور قوة جديدة في هذا المجال ويمكن القول بلا شك أن الاحتكار النووي للغرب في السنوات القادمة سينتهي وسيظهر في دولة شرقية أخرى لديها مكونات قوة مهمة مثل القوة العظيمة في الشعب والنفوذ الجيوسياسي المؤثر والقوة العسكرية – التي لديها قدرات جغرافية وطاقة لا مثيل لها.
سيصل القمر الصناعي “قائم 100” بسهولة إلى باريس في حالة توجيهه وسيشهد العالم والقوى الأوروبية توازنًا جديدًا من قوة آسيوية جديدة وعظيمة.
أضف إلى ما سبق أن المساعي الفاشلة للدول الأوروبية في الأشهر الثلاثة الماضية لزيادة نطاق ومستوى الاحتجاجات الإيرانية والتي قوبلت بإهمال من قبل الجماهير والمجتمع الإيراني ضمن الجغرافية المستفيئة في ظل حكم الجمهورية الإسلامية.
من ناحية أخرى دخلت أزمة أوكرانيا التي لها تأثير مباشر على أمن الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة مع الدخول غير المباشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية داعما لروسيا من أجل إضعاف استراتيجيات الناتو و الغرب تجاه دول العالم الثاني والثالث وعدم قدرة الأوروبيين على منع إمداد ودعم روسيا من قبل الجمهورية الإسلامية، وبالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه تعتبر سبباً كافياً لأن نشهد صدور منشور من مجله غير مشهورة حول زعيم الجمهورية الإسلامية.
بالطبع يبدو تشخيص الفرنسيين صحيحًا ودقيقًا لأن سبب كل إخفاقاتهم والدول الغربية الأخرى في الاستراتيجيات التي صاغوها لمنطقة غرب آسيا هو إجراءات وإدارة زعيم الجمهورية الإسلامية. وقد أصبح من الواضح أنه مع اغتيال الجنرال قاسم سليماني لم يحدث هناك تغيير كبير في سياسات إيران الإقليمية ؛ لأن القضايا تمت من قبل رؤساء سليماني وما زالت تدار.
الشيء الوحيد الذي يمكن للفرنسيين فعله هذه الأيام رداً على تقدم الجمهورية الإسلامية هو رسم رسوم كاريكاتورية مثيرة للاشمئزاز والسخرية من الشخص الذي أزال إلى حد كبير منطقة غرب آسيا من تحت نفوذهم وسيطرتهم ؛ لم يفهم الفرنسيون بعد أن القرن الحادي والعشرين يختلف عن القرن السابق بالنسبة للأوروبيين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال