– لا حاجة لتقديم الأمثلة الحسية على مكانة الضلع الأول في المعادلة الذهبية للتحرير والحماية، القائمة على ثلاثيّة الشعب والجيش والمقاومة. فالشعب لم يكن مجرد بيئة حاضنة ترفد المقاومة بالمقاتلين من أبنائها، وتتحمل التضحيات والتبعات التي يرتبها الاحتلال على البلدات والقرى، بل كان الشعب شريكاً كاملاً في صناعة نصر التحرير ونصر الردع والحماية، وشاهد الانتفاضات الشعبية التي شملت عشرات البلدات والقرى واشتبك خلالها الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وجهاً لوجه مع قوات الاحتلال، ما يشكل جزءاً عضوياً من سيرة التحرير الممتدة من العام 1982 حتى العام 2000، وفيها ملاحم بطولية كتبها الشعب في ساحات المواجهة تحاكي بطولات المقاومين في ميادين القتال.
– في حرب تموز صمد الشعب وراء المقاومة، وكانت لوحات الصمود الممتدة من خطوط المواجهة التي قاتل عندها المقاومون، حيث بقيت عائلات كاملة لتوفر لهم الطعام والإيواء وتواكبهم بالدعاء، وكانت مئات الآلاف من الذين هجرهم الاحتلال خلال العدوان نموذجاً للصلابة والتماسك والأخلاق في التصرف طيلة فترة التهجير، فعجز كل من تربّصوا بالمقاومة عن إثارة امتعاض أو احتجاج أو اعتراض او حتى مجرد تذمّر، يجد طريقه لطعن المقاومة في ظهرها، حتى عبر منظمو استطلاعات الرأي عن ذهولهم من درجة التماسك بين هذه الحشود من المهجرين ومقاومتهم، التي يفترض أنها كانت سبب تهجيرهم، وفقاً للرواية التي أريد منهم تصديقها.
– في 14 آب كان اليوم المشهود الذي خرج فيه الشعب الى الميدان ليصنع شراكته الحاسمة في النصر، فقد كانت الرؤية الأميركية التفاوضية تقوم على تسلسل لتطبيق القرار 1701 وفق تراتبية تبدأ بإنهاء انتشار الأعداد الجديدة من القوات الدوليّة ثم انضمام القوى الجديدة من الجيش اللبناني إليها، تحت شعار أولوية التخلص من الألغام والقنابل العنقودية التي نثرها الاحتلال بعشرات الآلاف خلال الأيام الأخيرة للعدوان، تنفيذاً لنصيبه من الخطة المرسومة، وكانت الحكومة التي يترأسها فؤاد السنيورة شريكاً في الخطة، وكانوا جميعاً مطمئنين إلى أن هذا الترتيب سيكون سلساً خلال التطبيق، بما يتيح التحكم بالمنطقة الممتدة من نهر الليطاني حتى الحدود، وضبط العودة إليها ووضعها تحت السيطرة والعين المفتوحة، بعد إنجاز تعقيم المنطقة من أي تواجد لسلاح المقاومة ومخازن ومنصات الصواريخ، ليتبعها التحكم والسيطرة على كل مراوح العودة السكانية، التي خطط السنيورة لجعلها مراحل تتناسب مع عمليات إعادة الإعمار الطويلة، وتحويل المهجرين الى كتلة من الفقر والجوع والتسوّل.
– جاء 14 آب، وكان النداء المشترك لرئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لأبناء الجنوب للعودة الفورية المليونيّة الى القرى والبلدات، يعبرون الجسور المدمّرة، والطرق المنسوفة، يخاطرون بين القنابل والألغام، ويواجهون خطر القنابل العنقودية، ويفرضون حضورهم في ميدان الإثبات بأن الأرض تعود إلى أهلها كما يعود الأهل إلى أرضهم، وكان الطوفان العظيم المقدس، والمشهد الذي تقشعر له الأبدان، عائلات كاملة تحملها شاحنات وجرارات زراعيّة، وسيارات محملة بأضعاف طاقتها على الحمل، ودراجات نارية تحمل عائلة وأثاث منزلها، ومشاة يعبرون الطرق مشياً على الأقدام يحملون على رؤوسهم وظهورهم ما يكفي للعيش في العراء قرب منزل مدمّر، وخلال يوم واحد كانت الملحمة التي حسمت النصر وأسقطت خطة غونداليزا رايس وفؤاد السنيورة.
– استحق الشعب بجدارة منزلته الأولى في معادلة النصر الذهبية، الشعب والجيش والمقاومة، بمثل ما استحقها الجيش واستحقتها المقاومة.
ناصر قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال